( 1 )
تجمعت العائلة سليلة الحسب والنسب عقب إعلان خبر الوفاة , وبعد دقائق معدودات وجدت القرية برجالها ونسائها ... بشحمها ولحمها متراصين فى الزقاق الضيق , منهم من يفعل فعل الجاهلية , ومنهم من يقف وكأن على رأسه الطير !
والصراخ يزلزل جدران البيوت العتيقة والحزن يمزق أحشاء الشتاء الباردة......
والدمع الساخن يلتهب وجه أمي الذى استحال فحمة رماد ...!
( 2 )
جاءوا بخشبة الغسل وأتى اللحاد بخطوات متثاقلة ترتسم على وجهه القمحي البارز العظام ضحكة بلهاء ....وتقول عيناه الغائرتان كجوف قبر مظلم :- أرى ما لا تراه العيون !!!
( 3 )
وقف كبير العائلة على باب حجرة الغسل منعاً لدخول الغرباء .. واقفاً أنا فى حال غير حال ... أتفرس وجه أبى فى صمت تقهره الدموع وهم ينزعون عنه ملابس الفَناء استعداداً لارتداء زى الخلود !!
( 4 )
دقت ساعة الزوال : الساعة الحادية عشر... ما زالوا يقلبون الجسد الطريح , البعض يتذكر : كان .................................. يرحمه الله !
وشق الصمت الجاثم فوق الأنفاس صوتٌ يعرفه الجميع .......
الشيخ أيوب يصيح :- أغمض عينيك ترى ..!!
دون أن يطرق الباب دخل .... اقترب منى , ربت على كتفي , سألني :
- أتريده ؟!
- لم يصلني السؤال !
- أجب يا فتى ...أتريده ؟!
بكل جوارحي التي صارت ألسناً تصرخ :
نعم .. نعم .. نعم .. نعم .....نــ.....نــ.......نــ.........
( 5 )
بخطوة واحده كان أمام الجسد الخامد...أشار بثلاثة أصبع ..., فأخرجتُ من بالحجرة وبقى اللحاد .
صاح الشيخ أيوب :- أتريده ......ولكن ...؟!
لا أعلم كم مضى من الوقت , ربما ساعتان ......أيام ....سنوات لا يحصيها إلا ( هُو ) !!!
( 6 )
زعق الشيخ أيوب :- يا حي يا قيوم !!!
انتصب أبى واقفاً على قدميه ..... سقط على إثرها اللحاد .أشار الشيخ , ففتح البابُ على مصراعيه ....خرجنا على الحشد المتلاحم الشحم , وتقلب وجهي فى السماء لا أعلم ليلاً كان أم نهاراً !
خر القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية, الكل يتساقط كبعوض صعقته نارٌ موقدة !
( 7 )
شخصت عيناي إلى الشيخ أيوب ووجهه الخمري القسمات يشع بياضا خطف بصري
فأبصرت أحرف كلماته مضيئة ...........................!!!!!!!!!!!!!!
عبد القادر الشيخ
مارس 1993